ربيع متأخر بعد ظهيرة يوم خريفي!
مرَّ العام الثامن عشر ولم يولد مولود جديد في العالم، وتقلّص عدد السكان إلى النصف بعد حرب نووية طاحنة اجتاحت الأرض، وفقد معظم البشر الأمل والإيمان.
نشطت جماعة دينية أطلقت على نفسها اسم "جماعات الخلاص والتوبة"، وكانت تدعو الصالحين إلى قتل أنفسهم للتخلّص من شعور الذنب الملازم لهم بسبب عدم منعهم اندلاع الحرب النووية. بدأت هذه الجماعة ككرة ثلج صغيرة تتدحرج حتى اجتاحت كل المؤمنين في العالم.
في الجانب الآخر نشطت الجماعات العدمية، وكانت تدعو إلى قيام ثورة ضد الإله الذي لم يحرّك ساكنًا أمام الكوارث التي ضربت العالم! وكانت دعوتها للبشر جميعًا أن ينهوا حياتهم ويتركوا الأرض خالية من بعدهم
بدأ الناس يتداولون الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي بهاشتاقات موحّدة: #الانتحار_الجماعي، وبدأت الجماعات بتوزيع القصاصات الورقية في الأسواق والمدن والقرى في كل أنحاء العالم، وكانت تدعو إلى الانتحار الجماعي في اليوم الأول من شهر يناير القادم.
لم يكن هناك أمل ولا إيمان؛ لقد سئم الجميع العالم. كانت الولايات المتحدة أول دولة تعلن رسميًا تبنّيها مشروع الإنتحار الجماعي، وتبعتها الدول الأخرى تباعًا. انعقد بعدها اجتماع الأمم المتحدة ليوقّع جميع رؤساء العالم على وثيقة خلاص البشرية".
تحوّل لون فيسبوك من الأزرق إلى الأحمر، واستُبدلت نافذة "بماذا تفكّر؟" بـ "شاركنا كيف تود أن تفعها". صارت أحاديث الناس كلّها عن الكيفية: بعضهم مع عائلته، وبعضهم بمفرده، وبعضهم مع أصدقائه. بعضهم دعا إلى أن يفعلوها في الساحات المفتوحة، وبعضهم فضّل الأسلحة النارية، وآخرون المواد الكيميائية.
اقترب يوم الخلاص؛ المؤمنون يبشّرون بلقاء الله، والعدميون يبشّرون بالثورة عليه. اشترى الناس الأسلحة بأنواعها وكل مستلزمات إزهاق النفس.
وكانت الشاشات موزّعة في كل الساحات الكبرى: ساحة الكرملين، البيت الأبيض، وساحة الحرية، تبثّ مباشرة كلمات قادة العالم الأخيرة.
حانت لحظة الصفر. الكل وجّه السلاح إلى رأسه. لم يشعروا بالخوف، إذ طغى اليأس على أي إحساس آخر، ومن الجانب الآخر كان التحرّر من الذنب يطغى على كل شيء.
اجتمع السحاب في السماء ليرى جنون البشر، ثم بدأ يمطر حزنًا عليهم. أطلق الجميع الرصاصة على رأسه، بالتزامن مع تفجير كل مصادر الطاقة.
عمّ السكون والظلام الأرض، وانتشرت رائحة الدماء في كل مكان، وتلوّنت الأنهار بالأحمر، والجثث مرمية في الساحات وعلى قارعة الطرق.
وفي إحدى الغابات، بعد سماع دوي الرصاص، أخذ الفتى يقبّل صديقته وهو يقول لها:
"هيا لنبدأ العالم من جديد."
تعليقات
إرسال تعليق