الرابع من أبريل، حلَّ الربيع، السماء زرقاء صافية، تفتحت زهرات اللوز وتزقزق العصافير، المياه تفك وثاقها وتُكسر سلاسل الأسر، فيُسمع خريرها بعد الصمت تحت وطأةِ الظلام والوحدة. تسقط زهرة الكرز بسرعة خمس سنتيمترات في الثانية لتفارق الشجرة، تلفحها الرياح يمينًا ويسارًا، تسقط على الأرض، يُداس عليها فتفقد نضرتها، تحرقها الشمس، ورفاتها تذروها الرياح، تنتظر عامًا آخر لربما تينع من جديد.
في أعوام لاحقة، تمرَّدت الشمس لتطل على العالم، أظلمتِ الشوارع، تجمدت المحيطات، وذبُلت زهرة الكرز منتظرة ميلادًا جديدًا دائمًا، تسقط فيه على أنهار الفردوس العظيم.
ما زالت الشمس في تمردها، موسيقى شوبان "ربيع الفالس" تُعزف ببيانو معلَّق على بساط منير، عليه لوحة فان جوخ "فروع شجرة اللوز المزهرة". تلملم زهرة الكرز رفاتها على أنغام أوركسترا الربيع لفيفالدي، فتخضر على أمل الازدهار الأبدي.
في السماء، مرآة تعكسُ فيها فروع شجرة اللوز المثمرة، وزهرة الكرز ترى نفسها وقد أرهقها النمو؛ فروع يانعة مزدهرة وجهها نحو السماء، وأخرى ذابلة مُطأطئة وجهها نحو الأرض، كما في لوحة "عباد الشمس". ينظر وجه نحو السماء، فيتذكر الشمس، وزقزقة العصافير، وصوت المياه، وقهقهة المحبين في موسم الساكورا. تتذكر سقوطها حين تلفحها الريح، فتسقط على كفٍّ رقيق، ينظر إليها، فترى في عين ناظرها الرِّقة والجمال والأمل، فتُطلق فروعها نحو السماء، نحو الفراديسِ المخلَّدة، فتسقط على أنهار العسل المصفَّى، حيث الأبدية والخلاص.
ينظر الوجه المُطأطئ نحو الأرض، فيرى سقوط زهرته في مجاري الصرف، تحملها المياه الآسنة في ظلام دامس وصمت مزعج، تحملها و تغرقها، وينتهي الأمر بها ملتصقة بجدران الأنابيب الأسمنتية.
ما بين وجه نحو السماء ووجه نحو الأرض، وعلى أنغام موسيقى شوبان وفيفالدي، وفي ضوء لوحة اللود المزدهرة، تعيش شجرة الكرز معاناة عباد الشمس، فالفروع الذابلة ترمي بثقلها نحو الأرض، جاذبة معها الفروع اليانعة، فلا الذابلة تصل الأرض، ولا المزدهرة تبلغ عنان السماء.
تعليقات
إرسال تعليق