مرآة في السديم..


أيها الغريب، أنا متأسف لأني أدعوك بالغريب، إنه رمز تضليلي مبتذل، ولكن لا عليك، أنا هنا الآن وجدتك مختبئًا في غيابة الجب، تخشى الضوء، وجدتك بعد أن حسبت أنني فقدتك إلى الأبد. أرجوك أن تسامحني، كنت أسمع نحيبك، و كان يقتلني، ولكن فرّقت بيننا الأزمنة والأبعاد الكونية. كنت أسمع نحيبك، ولكن لا أراك، أبحث عنك ولم أجد خطاك، وكم كنت تائهًا بلاك. يا حبيبي، أنا هنا وإن طال الزمن، يا حبيبي، أنا هنا برغم المحن.

كنتَ دائمًا في الوجدان أراك في الورود عند الربيع، وعند الصقيع، عند الغروب، ورائحة البحر، وشعاع الشمس. أراك في القمر، وفي عيون المحبوبة المخادعة، في سينما أندريه تاركوفسكي وثيودوروس أنجيلوبولوس، حيث الغائب دائمًا حاضر في الوجدان. لقد كنتَ أنت، متنكّرًا على هيئة الشوق الوجودي، تبعث برسائلك المتجاوزة للزمان والمكان. يا حبيب الروح، تهت بعدك، ومَسّني الضُر، كيف لا؟ وبُعدك!. أرهقتني مسكنات الألم، لم تعد تجدي، ولكن لا مسكّن إلا قربك. هات يدك، هات يدك، أيها الكوكب الذي نسي سطوعه، تعال أشعل فيك نار الحياة لتضيء غياهب العدم، وتستعيد توهجك البهيج.

تعال، يا رفيقي، إلى جنة عرضها السماوات والأرض. نسبح في أنهار الخمر، نأكل من شجرة الخلد، ونهبط مرةً أخرى، ولكن لا تخف، أنا معك، شاهدًا عليك، تخطو خطواتك الأولى على الأرض، تتعثر، تتوازن، ثم تنهض من جديد.

أنا معك، شاهدًا، عندما تمسح بيديك الصغيرتين على من اكتسى شعرها بالأبيض، لتمنح مواساةً أخيرة، كنتَ كقميص يوسف، رميت بنفسك في وجهها بعد أن ابيضّت عيناها من الحزن، منتظرةً صدى الريح عن ابنها الغائب، وهي تردد: لا زال جائعًا، لا بد أن يعود. سأكون معك، لأراك وأنت تحمل أواني الطعام الزجاجية لتسد رمق القاصي والداني والغريب، لأرى جسدك النحيل يحمل الجرة عمّن وهن عظمه، فيصلي لأجلك، ولأجل اتساع قلبك الرحيم. سأكون شاهدًا عليك، أطبطب على كتفك من فظاعات العالم السقيم. سأجلس بجانبك تحت الغيث، في أعلى السور، لتغسل أحزانك، وأهمس في أذنك: "لا بد من انقشاع السديم".

يا غريب، هات يدك، نهرب سويًا لاستكشاف العالم. خذ روحي، وأصهرها في روحك، لنرى بعيوننا عالمين، وزمانين، وأمكنة متعددة، وحيوات متجددة، وذوات متحررة، وأحزانًا متبددة. ولنصلِّ صلاة الخلاص، والوحدة، والدهشة.

آمين.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحياة ولا شيء سواها... من كوكر إلى الخرطوم

ياسوجيرو أوزو... الحياة بين ارتفاع ثلاثة أقدام من الأرض وأسفلها

بورتريه ذاتي: أوديسة زهرة الكرز... ربيع متأخر أم كذبة أبريل؟!