خدعة الضوء الأزرق ، بين كيشلوفسكي و كورايدا

 بين الضوء الأزرق (Blue) و خدعة الضوء (Maborosi) قدّم كيشلوفسكي و كورايدا سيمفونية رائعة تحكي عن الحزن عبر حوار سينمائي بين إنسانوية كيشلوفسكي و فردانيته كمخرج أوربي   متبنياً سردية التحرر من الحزن و واقعية كورايدا المخرج الياباني الذي ينتمي إلى ثقافة المونو نو أواري (رثاء الأشياء) بأنه لا فِرار منه، بل هو سنة الحياة.

تم إنتاج فيلم أزرق كيشلوفسكي عام 1993و هو الجزء الثاني من ثلاثية الألوان المستنبطة من الثورة الفرنسية و استخدام اللون الأزرق كدلالة على الحرية، الحرية من الحزن. تنجو جولي من حادث تحطم سيارة فقدت على إثره زوجها و طفلتها، عبّر كيشلوفسكي عن حزن جولي بالصمت و تدفق اللون الأزرق الذي يملأ الشاشة و لقطات ال close up و المشاهد الطويلة. مستخدماً النظرية اللاكانية للصدمة، يبدأ كيشلوفسكي في ترميم حياة بطلة الفيلم من جديد، بالانخراط في الحب و العودة إلى الموسيقى لبناء جدار يفصلها عن ألم الصدمة، ينتهي الفيلم بتحرر جولي أخيراً من الحزن. 

في فيلم خدعة الضوء (Maborosi) الذي تم إنتاجه في عام 1995 يرد كورايدا بأن اللون الأزرق، لون الحرية، مجرد وهم فلا يمكننا حقاً الفرار من أحزاننا. 

تقِف يوميكو و يبتعد عنها زوجها بالدراجة متجهاً نحو الأبدية البيضاء، زوجها الذي رمى نفسه أمام القطار بدون سبب واضح تاركاً يوميكو في حيرة و تساؤل دائم، لماذا؟.عبر كورايدا عن الحزن بالصمت و اللقطات الطويلة long shots و الشاشة المعتمة و حالة عدم الأمان و القلق التي تصاحب يوميكو. 

يقفز كورايدا بالزمن على طريقة ثيو أنجيلوبولوس في الإخراج تاركاً فراغات عديدة في السيناريو لخيال المشاهد، فبعد خمس سنوات تتزوح يوميكو مرة أخرى و تعيش حياة هادئة بالقرب من البحر، تنخرط في الحياة و تختفي الشاشة المعتمة ليعود الضوء و لكنها لازالت تعاني من القلق، فتقلق حين يتأخر زوجها و تشعر بعدم الأمان  عند مشاهدة ابنها يلعب بالدراجة.

يقفز كورايدا بالزمن قليلاً مرة أخرى حيث زارت يوميكو البلدة التي تقيم فيها مع زوجها، تتسرب الذكريات من جديد و يعود معها الصمت و الشاشة المعتمة، في ختام الفيلم تتبع يوميكو جنازة ما و لا زالت تتساءل "أنا فقط لم أفهم لماذا قتل نفسه؟!". و كأن كورايدا يقول لكيشلوفسكي أن لون الحرية خدعة و هناك أحزان لا يمكن نسيانها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحياة ولا شيء سواها... من كوكر إلى الخرطوم

ياسوجيرو أوزو... الحياة بين ارتفاع ثلاثة أقدام من الأرض وأسفلها

بورتريه ذاتي: أوديسة زهرة الكرز... ربيع متأخر أم كذبة أبريل؟!